موجة تفاؤل في سوق العملات المشفرة- نظرة على المؤسسات والمستثمرين الأفراد

المؤلف: بلومبرغ08.08.2025
موجة تفاؤل في سوق العملات المشفرة- نظرة على المؤسسات والمستثمرين الأفراد

موجة عارمة من الحماس والترقب تغمر سوق العملات الرقمية الذي يقارب حجمه 4 تريليونات دولار، مدفوعة بتحركات سياسية حثيثة في واشنطن بهدف تسريع دمج هذه العملات في النظام المالي الرسمي والخاضع للرقابة التنظيمية.

إن إقرار قانون تاريخي يتعلق بالعملات المستقرة، بالإضافة إلى الدعم التشريعي المتزايد، قد منح هذا القطاع مصداقية جديدة ورونقًا خاصًا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وإحياء الرغبة في خوض المخاطر في مجال الأصول الرقمية المبتكرة.

وتشير الدلائل إلى عودة ظهور اهتمام المستثمرين الأفراد، حيث قفز تطبيق "كوين بيس" إلى المركز الخامس في فئة التمويل على متجر "أبل"، بعد أن كان في المركز الخامس والعشرين قبل شهر واحد فقط، وذلك وفقًا لما ذكرته شركة "سينسور تاور" المتخصصة في تتبع البيانات.

ارتفاع ملحوظ في الاهتمام بالعملات المشفرة

كما تشهد عمليات البحث عن كلمة "بيتكوين" على محرك البحث "جوجل" ارتفاعًا ملحوظًا. وقد سادت أجواء مفعمة بالحيوية والنشاط في مجموعات "تيليجرام" ومنتديات "ديسكورد" خلال "أسبوع العملات المشفرة" الذي عقد في واشنطن، وهو عبارة عن تحرك سياسي منظم ومنسق بلغ ذروته بتوقيع الرئيس دونالد ترمب على أول إطار تنظيمي أمريكي رئيسي للعملات المستقرة ليصبح قانونًا نافذًا.

ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع المفاجئ في الاهتمام يخفي وراءه حقيقة أكثر تعقيدًا بشأن الجهة التي تقود التدفقات النقدية في الواقع، ففي حين أن اهتمام المستهلكين يعود تدريجيًا، إلا أن هيكل الانتعاش الحالي يبدو مؤسسيًا بشكل جلي.

فقد قام كبار المستثمرين من القطاع الخاص الذين يمتلكون 10 عملات "بيتكوين" أو أكثر، بشراء ما يقرب من 47 ألف وحدة من العملة المشفرة قبيل بلوغها أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 123 ألف دولار في 14 يوليو، وذلك وفقًا لبيانات "10x ريسيرتش"، ولكن منذ ذلك الحين بدأ هؤلاء المستثمرون الكبار بتقليص حجم مراكزهم، مما ساهم في تراجع الأسعار إلى 118,600 دولار.

إحساس متزايد بالإلحاح لدخول سوق الكريبتو

يعزو كريس راين، رئيس استراتيجيات السيولة النشطة في "جالاكسي ديجيتال"، معظم هذا الانخراط المتجدد إلى ما يقرب من شهر مضى، وذلك بعد الطرح العام الأولي الضخم لشركة إصدار العملات المستقرة "سيركل إنترنت جروب" في شهر يونيو.

وقال راين: "لقد شجع هذا جميع المستثمرين على العودة إلى السوق، بدءًا من صغار المستثمرين الأفراد ووصولًا إلى المؤسسات الكبرى"، مضيفًا: "لقد بدأت المؤسسات تتواصل معنا الآن، وتستفسر عن كيفية الاستثمار في العملات المستقرة، وهناك شعور عام بالإلحاح يسود بينهم"، ومع ذلك، فإن هذا الشعور بالإلحاح لم ينعكس بعد على المؤشرات الأساسية لنشاط الأفراد، على الأقل فيما يتعلق بنتائج الربع السنوي.

من المتوقع أن تشهد شركة "كوين بيس غلوبال"، التي ستعلن عن نتائجها في 31 يوليو، انخفاضًا في حجم التداولات خلال الربع الثاني بنسبة 44% مقارنة بالربع السابق، و3% على أساس سنوي، وذلك وفقًا لشركة "أوبنهايمر آند كو".

كما انخفض عدد تنزيلات تطبيق المحفظة التابع للمنصة، والذي أعيدت تسميته إلى "كوين بيس وولت"، بنسبة 51% مقارنة بالربع السابق، وسُجِّلت تراجعات مماثلة في عدد التنزيلات عبر منصات التداول الكبرى الأخرى، وذلك وفقًا لـ"سينسور تاور".

لقد تحول جزء كبير من اهتمام المضاربين الذي كان موجهًا في السابق نحو العملات المشفرة إلى وجهات أخرى. ويشير المحللون إلى أن المستثمرين الأفراد قد اتجهوا نحو الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وأسماء قريبة من عالم العملات المشفرة مثل "استراتيجي" (Strategy)، حيث لا تزال التقلبات والجاذبية في مستويات مرتفعة.

وأشار أوين لاو، المحلل في "أوبنهايمر"، إلى أن بعض المستثمرين الأفراد قد خرجوا من السوق بشكل كامل، معللين ذلك بمخاوف اقتصادية كلية، ورسوم "يوم التحرير".

تحوّل جوهري في طبيعة من يقود سوق الكريبتو

تكشف موجة الانتعاش الأخيرة عن تحول أعمق في الجهة التي تقود حركة الأسعار، وما يترتب على ذلك من أهمية في بنية السوق، حيث أصبحت الشركات التي تحتفظ بـ"بيتكوين" في ميزانياتها ومديرو الأصول يستحوذون على التدفقات النقدية التي كانت تمر في السابق عبر المحافظ الفردية. ولم يختفِ المستثمرون الأفراد تمامًا، ولكن تأثيرهم بات يُوجَّه من خلال المنتجات المالية المهيكلة، وليس عبر النشاط المباشر في السوق.

سوف يكشف لنا المستقبل ما إذا كان هذا التغير سيمثل تحولًا دائمًا أم لا، إذ يرى المؤيدون لتعزيز مشاركة المؤسسات أن الشركات المالية الراسخة توفر السيولة التي تشتد الحاجة إليها، وتقلل من التقلبات، وتضفي سلوكًا أكثر قابلية للتوقع. وهم يعتبرون تحويل العملات المشفرة إلى بيئة أكثر احترافًا وتنظيمًا شرطًا أساسيًا لدمجها في أسواق رأس المال العالمية.

مخاوف متزايدة من الإفراط في تنظيم العملات المشفرة

في المقابل، يرى المتشككون أن الإفراط في تبني الطابع المؤسسي قد يقوض المبادئ التي تأسست عليها العملات المشفرة، فالسوق التي تهيمن عليها الصناديق المتداولة في البورصة والوسطاء المنظمون، قد تضعف الزخم التشاركي الذي كان سائدًا في مراحلها الأولى. كما تثار مخاوف من أن الابتكار وسهولة الوصول المفتوح قد يتعرضان للضرر مع انتقال رؤوس الأموال إلى أدوات استثمارية خاضعة للرقابة.

تجذب الصناديق المتداولة في البورصة التدفقات النقدية ليس فقط من المؤسسات بل يظل اهتمام الأفراد قائمًا، وإنْ كان من خلال قنوات الاستشارات والوساطة.

وقد اجتذبت صناديق "بيتكوين" الفورية المتداولة ما يقرب من 19 مليار دولار هذا العام، مما يسلط الضوء على الطلب من كلا فئتي المستثمرين. ومع ذلك، فإن السيطرة والمشاركة ليستا وجهين لعملة واحدة، ويبدو بشكل متزايد أن مركز الثقل بات بيد الجهات المخصصة للأصول.

قد تعود المشاركة الواسعة للمستثمرين الأفراد في وقت لاحق. ولكن في الوقت الراهن، لا يحدد إيقاع السوق المحادثات التي تدور في "تيليجرام" أو منتديات التداول، بل مكاتب المؤسسات المالية التقليدية. ومع ذلك، فقد لاحظ راين من "غالاكسي ديجيتال" أن "شعور الإلحاح" يسود بين المستثمرين على اختلاف أحجامهم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة